التعرض للتحرش الجنسي يُعد من أصعب التجارب التي يمكن أن يمر بها أي طفل، فهو يمس أعمق مشاعر الأمان والثقة، عندما يتعرض طفل لمثل هذا الانتهاك، فإنه لا يحتاج فقط إلى الحماية، بل إلى احتواء نفسي وعاطفي يساعده على تجاوز ما مر به دون أن تترك التجربة ندوبًا دائمة في نفسه،ودور الأهل أو مقدمي الرعاية في هذه المرحلة لا يمكن الاستغناء عنه، فطريقة استجابتهم الأولى، واحتواؤهم لمشاعر الطفل، وسعيهم للحصول على الدعم المناسب، هي عوامل محورية في مسار تعافي الطفل واستعادة شعوره بالأمان والثقة بنفسه وبالآخرين في هذا المقال، نعرض أهم 6 خطوات عملية ونفسية لمساعدة الطفل الذي مر بتجربة التحرش،بدءًا من لحظة الإفصاح، مرورًا بفهم ردود فعله النفسية، ووصولًا إلى كيفية دعمه على المدى الطويل، مع التأكيد على أهمية دعم مقدم الرعاية لنفسه أيضًا في هذه الرحلة المؤلمة.
أهم خطوات دعم الطفل بعد التعرض للتحرش الجنسي:
- الاستجابة الأولى للطفل بعد إفصاحه عن التعرض للتحرش
امدحي شجاعته وقدرته على التحدث:أخبريه أن الحديث عن مثل هذه الأمور صعب، وأنه تصرف بشجاعة كبيرة حين اختاركِ ليخبركِ بما حدث. هذا يعزز ثقته بنفسه ويشجعه على الاستمرار في الإفصاح،مثال:"أنا فخورة بك جدًا لأنك تحدثت. الأمر لم يكن سهلًا، وأنت قوي جدًا."
لا تطرحي أسئلة تفصيلية أو موجهة:قاومي رغبتكِ في معرفة كل ما حدث على الفور. طرح أسئلة مثل:"أين كان ذلك؟"، "ماذا فعل بالضبط؟"، "كم مرة حدث هذا؟"،قد يربك الطفل أو يؤثر سلبًا على ذاكرته، وربما يعيق التحقيق الرسمي لاحقًا،بدلًا من ذلك، يمكنك قول:"هل ترغب في إخباري بما ترتاح أن تقوله الآن؟ أنا هنا لأستمع فقط.
طمئني الطفل أنكِ ستتخذين خطوات لحمايته:أشعريه بالأمان من خلال إخباره أنكِ تتحملين المسؤولية عنه، وأنه لن يضطر لمواجهة هذا الأمر وحده بعد الآن،مثال:"أنا سأهتم بكل شيء. أنت بأمان الآن، وسأتأكد من ألا يؤذيك أحد مرة أخرى."
حافظي على هدوئك قدر الإمكان:قد تشعرين بالغضب أو الحزن أو الصدمة، لكن حاولي عدم إظهار هذه المشاعر أمام الطفل، حتى لا يظن أنه فعل شيئًا خاطئًا أو يقلق من رد فعلكِ.
- المشاعر الشائعة لدى الطفل وكيفية التعامل معها:
قد يُظهر علامات توتر مثل البكاء، القلق المستمر، أو التمسك بك بشدة.
قد يتجنب الأماكن أو الأشخاص التي تثير لديه مشاعر الخوف.
كيفية المساعدة:
طمأنته بشكل مستمر وكرر له أنه في أمان،وتوفير بيئة هادئة وداعمة، والاستماع لمخاوفه دون استعجال في الرد أو إهمال.استخدام كلمات مهدئة تعزز الشعور بالأمان، مثل: "أنا هنا معك"، "لا داعي للقلق، نحن في أمان"،تأكيد أنه ليس وحده وأنكِ ستظلّين إلى جانبه دائمًا.
الإحراج/العارردود فعل الطفل:
قد يشعر بالخجل الشديد من الحديث عن الحادثة أو يفضل التزام الصمت.
قد يظهر عدم رغبة في التفاعل مع الآخرين أو الابتعاد عن الأنشطة الاجتماعية.
كيفية المساعدة:
تشجيعه على التعبير عن مشاعره بكل حرية، وعدم الضغط عليه ليتحدث إلا إذا كان مستعدًا.
ممارسة نشاطات مريحة معًا مثل اللعب أو الرسم، التي تتيح له الفرصة للاسترخاء.
التأكيد على أنه ليس بحاجة للشعور بالخجل، وأن ما حدث ليس خطأه.
عرض أن هناك العديد من الأشخاص الذين يمكنهم مساعدته بما فيهم أنتِ، دون أن يكون هناك عار في ذلك.
قد يبدأ في لوم نفسه على ما حدث، معتقدًا أنه كان بإمكانه فعل شيء لتجنب الموقف.
قد يظهر سلوكيات تدل على التردد أو الخجل من طلب المساعدة.
كيفية المساعدة:
طمأنته أن اللوم يجب أن يقع على الشخص المعتدي، وليس عليه.
التأكيد على أن الحادثة لم تكن تحت سيطرته، وأنه ليس هناك ما يمكنه فعله لتغيير الموقف.
تشجيعه على التحدث عن مشاعره، وفهم أنه من الطبيعي أن يشعر بالذنب ولكن هذا لا يعني أنه هو من أخطأ.
مساعدته في تعلم كيفية تفريغ مشاعره بشكل صحي من خلال الأنشطة الإبداعية أو التمارين التي تساعد في معالجة مشاعر الذنب.
فقدان السيطرة أو الأمان ردود فعل الطفل:
قد يظهر سلوكيات توحي بالخوف من المجهول، مثل قلة الثقة بالآخرين أو تجنب الذهاب إلى أماكن جديدة.
قد يعبر عن حاجته إلى الطمأنينة الدائمة أو يرفض القيام بأنشطة جديدة.
كيفية المساعدة:
توفير بيئة ثابتة وآمنة بحيث يشعر الطفل بأن لديه تحكمًا في محيطه.
خلق روتين يومي ثابت يتيح للطفل معرفة ما ينتظره في كل يوم ويشعره بالاستقرار.
تأكيد له أن هناك خيارات آمنة دائمًا، وأنه يملك القدرة على اتخاذ قراراته في بيئة آمنة.
مساعدة الطفل في استكشاف طرق بسيطة يشعر من خلالها بالراحة والطمأنينة، مثل الاختيارات البسيطة في الملابس أو الأنشطة.
تدني احترام الذات ردود فعل الطفل:
قد يظهر شعورًا بالعجز أو يعتقد أنه ليس جيدًا بما يكفي.
قد يتجنب التفاعل الاجتماعي أو يرفض المشاركة في الأنشطة الجماعية.
كيفية المساعدة:
التأكيد على أهمية مشاعره وأنه ليس وحده في هذا الموقف.
الإشادة بشجاعته في التحدث عن تجربته، سواء أكان ذلك بالكلمات أو من خلال تصرفاته.
الإشارة إلى أن جميع الناس يمرون بتجارب صعبة في الحياة، لكن الأهم هو كيف نتعامل مع هذه التجارب.
تعزيز ثقته بنفسه من خلال تشجيعه على تحقيق نجاحات صغيرة في نشاطات يحبها، مثل الهوايات أو الأنشطة المدرسية.
خلق بيئة داعمة تؤكد له أنه ذو قيمة، بغض النظر عن الظروف.
الغضب أو السلوك العدواني ردود فعل الطفل:قد يظهر سلوكًا غاضبًا أو عدوانيًا تجاه الآخرين أو حتى تجاه نفسه.
قد يُعبر عن مشاعره بالعنف، أو يثور لأسباب بسيطة.
أحيانًا لا يعرف كيف يفسّر ما يشعر به، فيخرج ذلك على شكل نوبات غضب.
كيفية المساعدة:
وفّري له مساحة آمنة للتعبير عن غضبه دون حكم أو توبيخ.
شجعيه على التحدث عمّا يشعر به باستخدام كلمات بسيطة بدلًا من السلوك العدواني.
استخدمي وسائل تهدئة مثل التنفس العميق، أو الأنشطة البدنية الخفيفة لتفريغ التوتر.
وضّحي له أن الغضب شعور طبيعي، لكن من المهم تعلم طرق سليمة للتعبير عنه.
إذا استمر الغضب أو أصبح مفرطًا، لا تترددي في طلب مساعدة من أخصائي نفسي متخصص في التعامل مع صدمات الأطفال.
الأعراض الجسدية ردود فعل الطفل:
قد يعاني من مشكلات جسدية مثل الأرق، صداع، آلام في المعدة أو اضطرابات في الأكل.
قد لا يستطيع ربط هذه الأعراض بالحالة النفسية، ويظن أنه مريض عضويًا.
كيفية المساعدة:
استمعي له باهتمام دون التقليل من معاناته، وأخبريه أن جسده يتفاعل مع ما يشعر به، وهذا طبيعي.
طمئنيه بأنك تأخذين شكواه بجدية، وأنه ليس وحده في هذا الشعور.
راقبي الأعراض، وإذا استمرت أو زادت، توجهي لطبيب أطفال لاستبعاد أي سبب عضوي، وفي حال التأكد من كونها نفسية، توجهي لدعم نفسي متخصص.
ساعديه على فهم العلاقة بين المشاعر والجسد، وعلّميه طرق الاسترخاء مثل التنفس العميق أو تمارين التأمل المناسبة لعمره.
- كيف يتأثر الوالدان ومقدمو الرعاية – وضرورة الاعتناء بالنفس
الإنكار أو التقليل مما حدث، كوسيلة دفاعية لرفض الواقع المؤلم.
الصدمة أو الغضب، سواء تجاه المعتدي أو تجاه الذات.
الإحساس بالذنب أو الخذلان، والشعور بأنكِ قصّرتِ في الحماية – رغم أن الحقيقة هي: المعتدي وحده هو المسؤول.
العجز، الحزن، أو حتى الرغبة في الانتقام، وهي كلها مشاعر بشرية يجب الاعتراف بها لا إنكارها.
كل هذه المشاعر مُرهِقة، وقد تؤثر على قدرتكِ في دعم طفلك كما ترغبين. لذلك، من الضروري أن تتذكّري:
"أنتِ لستِ المسؤولة عما حدث."وحتى تتمكني من مساندة طفلك، عليكِ أولًا أن تعتني بنفسك.
من المهم أن تهتمي بنفسك جسديًا ونفسيًا وعاطفيًا خلال هذه الفترة. لا تترددي في طلب المساعدة. تحدثي مع أشخاص موثوقين – أصدقاء أو أفراد من العائلة – لكن احرصي على استئذان طفلك قبل مشاركة أي تفاصيل تتعلق به، ووضّحي لمن تتحدثين معهم ضرورة احترام خصوصيته.
كما يمكنكِ الاستعانة بطبيب أو مستشار نفسي متخصص، سواء لدعمكِ أنتِ أو لتقديم إرشاد في كيفية التعامل مع مشاعر طفلك.
أنتِ لستِ وحدكِ في هذه الرحلة،طلب الدعم لنفسك ليس علامة ضعف، بل خطوة أساسية نحو تعافيك وتعافي طفلك.
- الحفاظ على الروتين، والعلاقات الداعمة
- حافظي على مواعيد منتظمة للوجبات والنوم والمدرسة أو الحضانة، بقدر الإمكان.
- خصّصي وقتًا عائليًا مشتركًا، مثل تناول الطعام معًا أو الخروج لنزهة بسيطة أو مشاهدة فيلم.
- اجعلي الحديث الفردي عادة يومية، مثل وقت ما قبل النوم، أو أثناء المشي أو القيادة، ليفتح الطفل قلبه ويشعر بأنكِ حاضرة ومتاحة له.
- تواصلي مع المدرسة لضمان وجود شخص بالغ موثوق (معلم، مرشد، مسؤول)، يمكن لطفلك اللجوء إليه عند الحاجة.
- أظهري المودة بالطريقة التي يفضلها طفلك، سواء كانت عناقًا، قبضة يد، أو حتى ابتسامة داعمة.
- شجعيه على الحفاظ على علاقات إيجابية خارج الأسرة، مثل الاشتراك في أنشطة رياضية أو فنية يحبها.
- تعزيز ثقة الطفل بنفسه بعد التعرض للتحرش
- شجعيه على التعبير عن مشاعره
- دعميه ليتحدث عمّا يشعر به، وطمئنيه أن كل مشاعره طبيعية ومقبولة.
- اسأليه بلطف: "هل تشعر بالحزن؟" أو "يبدو عليك القلق، هل ترغب في الحديث؟"
- استخدمي أدوات مناسبة لعمره، مثل بطاقات المشاعر، أو القصص، أو التلوين، لمساعدته على الفهم والتعبير.
- ذكّريه دائمًا أن الحديث عمّا حدث يتطلب شجاعة كبيرة، وأنه ليس مذنبًا بأي شكل.كرري عليه:"أنا فخورة بك لأنك تحدثت. لم يكن خطأك أبدًا.
- لا تتحدثي عن تفاصيل الحادث أمامه، حتى لا تعيدي تفعيل مشاعره السلبية
- كوني هادئة وصبورة إن عبّر عن غضبه أو ضيقه – لا تردي بغضب، بل استقبلي مشاعره بحنان.
- عبّري عن حبك واهتمامك باستمرار، بطرق لفظية وعاطفية تناسب شخصيته (حضن، ابتسامة، قبضة يد...)قولي له بوضوح:"أنا أحبك كما أنت، وسأظل بجانبك دائمًا."
- إذا لم يرغب في الحديث عن نفسه، اسأليه مثلً"برأيك، كيف يشعر طفل آخر لو مرّ بنفس الموقف؟" هذا يخفف التوتر، ويفتح الباب للتعبير بشكل غير مباشر
- ساعديه على ممارسة أنشطة تعجبه: اللعب، التلوين، الرياضة، أو أي هواية أخرى – فذلك يعزز إحساسه بالكفاءة والمتعة من جديد.
- التوعية بالحدود والخصوصية
- اشرحي له أن جسده ملك له وحده، وله كامل الحق في رفض أي لمسة تجعله غير مرتاح – حتى لو كانت من شخص يعرفه.
- أكّدي على أن "السر لا يجب أن يكون مؤلمًا أو مزعجًا"، وأن بإمكانه دائمًا إخبارك أو إخبار شخص بالغ يثق به إذا شعر بأي شيء غريب أو غير مريح.
- علّميه الفرق بين اللمسة الجيدة (مثل العناق من شخص يحبه)، واللمسة غير المناسبة، بطريقة تتناسب مع فهمه.
- شجعيه على أن يقول "لا" بثقة، وأن يبتعد فورًا إن شعر بالخوف أو عدم الراحة – ثم يخبر شخصًا بالغًا فورًا.
- اجعلي الحديث عن الخصوصية والحدود جزءًا طبيعيًا من تواصلكم، وليس فقط بعد حدوث مشكلة.
- المعرفة تمنح الطفل قوة.كلما كان الطفل أكثر وعيًا بجسده وحدوده، قلّ احتمال تعرضه لأذى مماثل، وازداد شعوره بالأمان.
التعامل مع تجربة مؤلمة مثل التحرش ليس سهلًا – لا على الطفل، ولا على الأسرة. لكن تذكّري دائمًا: وجودك بجانب طفلك، وإيمانك به، وحبك غير المشروط، هو أهم ما يحتاجه الآن،قد يستغرق التعافي وقتًا، وقد تمرّان معًا بلحظات صعبة، لكن كل لحظة من الصبر، كل كلمة دعم، وكل حضن صادق… تقرّب طفلك خطوة نحو الشفاء،لا تترددي في طلب الدعم لنفسك أيضًا. رعايتك لذاتك تمنحك القوة لرعاية طفلك،الطفل لا يحتاج والدًا مثاليًا، بل والدًا حاضرًا، مُحبًا، ومُتفهمًا،أنتِ لستِ وحدك، وطفلك ليس وحده – هناك دائمًا طريق للشفاء، يبدأ من الأمان، ويمتد بالحب.